التطبيقات الفقهية لقاعدة النهي يقتضي الفساد في الكفالة والصلح
Title
الباحث الرئيس
التخصص: الفقه
المستخلص: ملخص البحث
تمهيد موجز
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الإنسان مأمور بعبادة الله على منهاج النبوة، والسلف الصالح، ومن أفضل هذه العبادات المأمور بها هي العلم الشرعي؛ لأنه الطريق الموصل إلى الجنة؛ لقول النبي: «ومن سلك طريقا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة»( )، فالعلم من أفضل النوافل بعد الفرائض، وبه يعبد الإنسان ربه على بصيره، وله طرق كثيرة، ومنها تعلم العلم عن طريق البحث، والتحري في المسائل الشرعية وتحقيقها، وهي مما يعين على الثبات على طريق طلب العلم، فقد سلكه العلماء حتى وصلوا لما وصلوا إليه من العلم، وتتلمذوا في الجامعات في الدراسات الجامعية والعليا، واهتموا بها اهتماما بالغا؛ وذلك لما فيها من البحوث التي تعين طلاب العلم على البحث، والتحقيق في المسائل، وتسهل عليه الوصول لها، فقد جعلوا البحث متطلبا مهما لإكمال الدراسات العليا، ومن هذا المنطلق، ارتأيت أن أختار موضوعي، ويكون فيه تطبيقًا للفروع على الأصول، وهو (التطبيقات الفقهية لقاعدة النهي يقتضي الفساد في الكفالة والصلح).
وقد تكلمت في التمهيد عن تعريف النهي والفساد والكفالة والصلح وعن قاعدة النهي يقتضي الفساد من جهة معناها وأقوال المسألة فيها وتفصيلاتها المتعددة وعن مسألة الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده وثمرة الخلاف في ذلك، ثم تكلمت في صلب البحث عن ثلاثة أبواب: الكفالة والصلح والمسائل المعاصرة فيهما، فالكفالة تكلمت فيها عن أربعة مسائل وبينت فيها علاقتها بالقاعدة مجتهدا في ذلك قدر الإمكان، وأما الصلح فتكلمت في ثلاث عشرة مسألة مبينا فيها ارتباط كل مسألة منها بقاعدة النهي يقتضي الفساد ثم تكلمت عن ثلاثة مسائل معاصرة ترتبط بالنهي يقتضي الفساد ثم ختمت بخاتمة تضمنت جميع المسائل باختصار قدر الإمكان مبينا الراجح فيها ثم ختمت بالفهارس وقد كان البحث كاملا مائة وثلاثا وأربعين صفحة.
أهداف البحث
إن من أهم الأهداف الذي أريدها وأرجوا أن أكون قد وصلت إليها هي ما يأتي:
1. تنزيل مسائل الكفالة والصلح على قاعدة النهي يقتضي الفساد.
2. التدرب على الاستنباط وكيفية دخول المسائل في القاعدة وتنمية الملكة الفقهية.
3. إيجاد أمثلة في قاعدة النهي يقتضي الفساد في الكفالة والصلح لمن أراد أن يشرح هذين البابين.
4. جمع كلام العلماء في هذه القاعدة قدر الإمكان.
أهمية الموضوع:
أهمية الموضوع تكمن في عدة أشياء، وأجملها فيما يأتي:
1. التطبيقات الفقهية لها أهمية كبيرة؛ لتعلقها بآيات الأحكام، وسنة النبي، والقواعد الأصولية والفقهية التي بها تضبط المسائل، وتعلق هذه القاعدة خاصة بنهي الشارع، ومعاملات الناس اليومية.
2. تنمية الملكة الفقهية لدى طالب العلم، عن طريق التطبيق العملي للفروع على الأصول.
3. خدمة الفقيه بتهيئة الأمثلة الفقهية للقواعد الأصولية لديه وتنوعها، وعدم جموده على أمثلة معينة أو محددة.
4. الاطلاع على آراء الفقهاء التي انبنت على هذه القاعدة في الكفالة والصلح.
5. رغبة شخصية في كتابة موضوع، يهتم بالتطبيق دون التنظير، يجمع بين الفقه والأصول.
6. الاطلاع على مسائل الكفالة والصلح المنهي عنها؛ لتعلق كثير منها بواقعنا المعاصر.
7. الارتباط الوثيق بمسائل الصلح؛ لتعلقها بعملي القضائي، يجعل لها أهمية خاصة لدي.
عناصر الموضوع
عناصر الموضوع تتكون من تمهيد وفيه تعريف النهي والفساد والكفالة والصلح لغة واصطلاحا كما تكلمت فيه أيضا عن معنى قاعدة النهي يقتضي الفساد والخلاف في القاعدة وتكلمت عن مسألة الأمر بالشيء هل هو نهي عن ضده وعن ثمرة الخلاف في ذلك ثم تكلمت في صلب البحث عن باب الكفالة وضمنته أربعة مباحث هي الكفالة في الحدود والكفالة إلى أجل مجهول والكفالة بدين مجهول وأخذ العوض على الكفالة ثم تكلمت عن باب الصلح وضمنته ثلاثة عشر مبحثا هي الصلح عن الدين المؤجل ببعضه حالا، والمصالحة عن الحق بأكثر منه من جنسه، والمصالحة عما في الذمة بموصوف في الذمة من غير جنسه مؤجلا، الصلح على الإقرار بالعبودية، والصلح على الإنكار، والصلح على الإقرار بالزوجية، والصلح عن الدين الحال بزائد مؤجل، وصلح الإقرار بشرط إسقاط البعض وإلا فلا صلح، والصلح على شهادة الزور، وصلح المقر ببيت على سكناه أو بعضه، وكون المصالح به مجهولا، وصلح الإسقاط ممن لا يصح تبرعه، والصلح على إسقاط الحد بالمال، ثم تكلمت عن المسائل المعاصرة وضمنتها ثلاثة مباحث هي خطاب الضمان وأخذ العوض عليه، والاعتمادات المستندية وأخذ العوض عليها وكفالة الاستقدام وأخذ العوض عليها ثم ختمت بخاتمة ضمنتها أبرز النتائج.
خلاصة البحث
فإن من أهم النتائج التي توصلت إليها في البحث هي ما يأتي:
1. أن النهي استدعاء الترك بالقول على صيغة الاستعلاء.
2. أن الفساد والبطلان مترادفان عند الجمهور بخلاف الحنفية فهما مختلفان في المعنى، فالفاسد عندهم ما كان مشروعا بالأصل دون الوصف، والباطل ما لم يكن مشروعًا لا بالأصل ولا بالوصف، والراجح قول الجمهور؛ لدلالة النقل على ذلك.
3. أن الكفالة هي التزام رشيد إحضار من عليه حق مالي إلى ربه.
4. أن الصلح هو معاقدة يتوصل بها إلى موافقة بين مختلفين.
5. أن الشارع إذا نهى عن عبادة أو معاملة فإن كان هذا النهي من النهي عن الشيء لذاته أو لوصف ملازم فتبطل العبادة والمعاملة ولا يعتد بهما، وأما إن كان النهي لأمر خارج فلا تبطل، وإنما تصح مع الإثم على الراجح.
6. أن الأمر بالشيء نهي عن ضده معنى على القول الراجح.
7. أن الكفالة في الحدود لا تصح على القول الراجح؛ لتعذر الاستيفاء عند عدم حضور المكفول عنه، وهي من قبيل النهي عن الشيء لذاته لحديث: (لا كفالة في حد).
8. أن الكفالة إلى أجل مجهول لا تصح في الجهالة الفاحشة دون غيرها على القول الراجح؛ لأن في تصحيحه ضياع لحق المكفول له ومفاسد لا طائل لها، وهي من قبيل النهي عن الشيء لوصف ملازم (الغرر) وقد نهى النبي عن الغرر.
9. أن الكفالة بدين مجهول تصح على القول الراجح، لعموم قوله: «الزعيم غارم»، وإن كانت من قبيل النهي عن الشيء لوصف ملازم عند الشافعية (الغرر)؛ لأنهم يرون أنها داخلة في نهي النبي عن الغرر لكون الغرر يكون في التبرعات والمعاوضات عندهم.
10. أن أخذ العوض على الكفالة لا يجوز على القول الراجح؛ لثبوت الإجماع عن أكثر من عالم، كما أنه لا يصح على القول الراجح، وهو من قبيل النهي عن الشيء لوصف ملازم (الربا) ؛ لكونها من قبيل كل قرض جر نفعا فهو ربا.
11. أن الصلح عن الدين المؤجل ببعضه حالا يصح على القول الراجح؛ لقول النبي: «ضعوا وتعجلوا»، وإن كان النهي فيها من قبيل النهي عن الشيء لوصف ملازم (الربا) عند الأئمة الأربعة؛ لكون النقص مقابل الأجل فكما أن الزيادة مقابل الأجل ربا فكذلك النقص.
12. أن المصالحة عن الحق بأكثر من جنسه لا تصح على القول الراجح؛ لما فيها من الربا المحرم المنهي عنه وهو وصف ملازم للنهي.
13. أن المصالحة عما في الذمة بموصوف في الذمة من غير جنسه مؤجلا
لا تصح على القول الراجح؛ لما فيها من ربا النسيئة المنهي عنه لوصف ملازم.
14. أن الصلح على إقرار رجل حر بأنه عبد لا تصح باتفاق الأئمة الأربعة؛ لأنها من قبيل بيع الحر المحرم إجماعا، وهو من قبيل النهي عن الشيء لذاته.
15. أن الصلح على الإنكار يصح على القول الراجح، لعموم قوله تعالى: (ﭠﭡ ﭢ)، وإن كان من قبيل النهي عن الشيء لذاته عند الشافعية لكونها عندهم من الصلح الذي يحل حراما وأكل المال بالباطل.
16. أن الصلح على الإقرار بالزوجية لا يصح باتفاق الأئمة الأربعة؛ لأنه صلح يحل حراما، وهو من قبيل النهي عن الشيء لذاته.
17. أن الصلح عن الدين الحال بزائد مؤجل لا يصح على القول الراجح؛ لما فيه من الربا المنهي عنه لوصف ملازم.
18. أن صلح اشتراط إسقاط البعض في صلح الإقرار وجعله سببا في امتناع أداء الحق يؤدي إلى عدم صحة الصلح؛ لما فيه من الظلم بأكل أموال الناس بالباطل، وهو من قبيل النهي عن الشيء لذاته.
19. أن المصالحة على شهادة زور لا تصح باتفاق العلماء؛ لأنه صلح محرم لذاته.
20. أن مصالحة الإنسان على سكنى بيت له مع إقرارك بأنه يملكه بعد رفعك دعوى عليه؛ هو إلجاء إلى الصلح، وإضرار وتعدي على حق أخيك بغير حق، فلا يصح على القول الراجح، وهو من قبيل النهي عن الشيء لذاته (حرمة التعدي على المال بغير حق).
21. أن المصالحة عن معلوم بمجهول كقولك أصالحك عن حنطة معلومة بما عند فلان ونحوه، لا تصح إذا كان البدل مجهولا يتعذر تسليمه باتفاق الأئمة الأربعة؛ لما فيه من الغرر المنهي عنه لوصف ملازم، وتصح إذا أمكن معرفته وتسليمه اتفاقًا.
22. أن صلح الإسقاط ممن لا يصح تبرعه لا يصح باتفاق الأئمة الأربعة إذا وجدت بينة على حق اليتيم؛ للنهي عن قربان مال اليتيم إلا فيما فيه مصلحة له وهذا ليس فيه مصلحة فيبطل الصلح؛ لتحريم أخذ مال اليتيم لذاته.
23. أن الصلح على إسقاط الحدود بالمال لا يصح على القول الراجح؛ لأنه ليس بحق له وهو من التعدي على حق الله المنهي عنه لذاته، ولكونه ليس بمال ولا يؤول إلى المال.
24. أن أخذ الأجرة على خطاب الضمان (الضمان البنكي) لا يجوز على القول الراجح؛ لأنها كفالة فلا يجوز أخذ الأجرة عليها؛ لما فيها من الربا المحرم المنهي عنه لوصف ملازم، كما أنه لا يصح على القول الراجح؛ لأنه من قبيل النهي عن الشيء لوصف ملازم (الربا).
25. أن أخذ الأجرة على الاعتماد المستندي لا يجوز على القول الراجح؛ لأنها كفالة فلا يجوز أخذ الأجرة عليها؛ لما فيها من الربا المحرم المنهي عنه لوصف ملازم، كما أنه لا يصح على القول الراجح؛ لأنه من قبيل النهي عن الشيء لوصف ملازم (الربا).
26. أن أخذ الأجرة على كفالة الاستقدام لا يصح على القول الراجح؛ لأنها كفالة نفس، وأخذ الأجرة عليها يخالف مقصود الشارع في هذا العقد وهي أنها تبرع محض؛ ولما فيها من المقامرة للمكفول، وهذا من قبيل النهي عن الشيء لوصف ملازم (المقامرة).
فإن كان ما ذكرته من صواب فمن الله وحده، وإن كان من خطأ فمن نفسي والشيطان، واستغفر الله من ذلك، هذا والله أسأل أن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علما وعملا، إنه جواد كريم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والله أعلم.